فصل: أصبغ بن يحيى:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: عيون الأنباء في طبقات الأطباء (نسخة منقحة)



.إسحاق الطبيب:

والد الوزير ابن إسحاق، مسيحي النحلة، وكان مقيمًا بقرطبة، وكان صانعًا بيده، مجرباً، يحكى له منافع عظيمة وآثار عجيبة، وتحنك فاق به جميع أهل دهره، وكان في أيام الأمير عبد اللّه الأموي.

.يحيى بن إسحاق:

كان طبيبًا ذكيًّا عالمًا بصيرًا بالعلاج صانعًا بيده، وكان في صدر دولة عبد الرحمن الناصر لدين اللّه، واستوزره وولي الولايات والعمالات، وكان قائد بطليوس زماناً، وكان له من أمير المؤمنين الناصر محل كبير، كان ينزله منزلة الثقة ويتطلع على الكرائم والخدم، وألف في الطب كتابًا يشتمل على خمسة أسفار ذهب فيها مذهب الروم، وكان يحيى قد أسلم، وأما أبوه إسحاق فكان نصرانيًّا كما تقدم ذكره، قال ابن جلجل حدثني عن يحيى بن إسحاق ثقة، أنه كان عنده غلام للحاجب موسى أو للوزير عبد الملك قال، قال بعثني إليه مولاي بكتاب، فأنا قاعد عند داره بباب الجوز إذ أقبل رجل بدوي على حمار وهو يصيح، فأقبل حتى وقف بباب الدار، فجعل يتضرع ويقول أدركوني وتكلموا إلى الوزير بخبري، إذ خرج إلى صراخ الرجل ومعه جواب كتابه، فقال للرجل ما بالك يا هذا؟ فقال له أيها الوزير ورم في إحليلي منعني البول منذ أيام كثيرة وأنا في الموت، فقال له اكشف عنه، قال فكشف عنه فإذا هو وارم، فقال لرجل كان أقبل مع العليل اطلب لي حجرًا أملس، فطلبه فوجده وأتاه به، فقال ضعه في كفك وضع عليه الإحليل، قال، فقال المخبر لي فلما تمكن إحليل الرجل من الحجر جمع الوزير يده وضرب على الإحليل ضربة غشي على الرجل منها، ثم اندفع الصديد يجري فما استوفى الرجل جري صديد الورم حتى فتح عينيه ثم بال البول في أثر ذلك، فقال له اذهب فقد برئت من علتك، وأنت رجل عائث واقعت بهيمة في دبرها فصادفت شعيرة من علفها لحجت في عين الإحليل، فورم لها وقد خرجت في الصديد، فقال له الرجل قد فعلت هذا، وأقر بذلك، وهذا يدل على حدس صحيح وقريحة صادقة حسناء.
وقال ابن جلجل وله نادر محفوظ في علاج الناصر قال عرض للناصر وجع في أذنه والوزير يومئذ قائد بطليوس، فعولج منه فل يفتر، فأمر الناصر في الخروج فيه فرانقا، فلما وصل إليه الفرانق استنطقه عن الحاجة التي أوجبت الخروج فيه، فقال له أمير المؤمنين عرض له في أذنه وجع أعيا الأطباء فعرج في طريقه إلى أديار النصارى وسأل عن عالم هناك، فوجد رجلًا مسنًا فسأله هل عندك من تجربة لوجع الأذن؟ فقال الشيخ الراهب دم الحمار حاراً، فوصل إلى أمير المؤمنين وعالجه بدم الحمار حارًا كما يسفح وبرًا وهذا بحث واستقصاء ودؤوب على التعليم، وليحيى بن إسحاق من الكتب كتاب كبير في الطب.

.سليمان أبو بكر بن تاج:

كان في دولة الناصر، وخدمه بالطب، وكان طبيبًا نبيلًا وعالج أمير المؤمنين الناصر من رمد عرض له من يومه بشيافه، وطلب منه نسخته بعد ذلك فأبى أن يمليها وعالج سععًا صاحب البريد من ضيق النفس بلعوق فبرأ من يومه بعد أن أعيا علاجه الأطباء، وكان يعالج وجع الخاصرة بحب من حبه فيبرأ الوقت، وكان ضنينًا بنسخ الأدوية، وله نوادر في الطب كثيرة، وكان أديبًا فاضلاً، حسن المحاضرة والمذاكرة، وأدركه في آخر أيامه مرض القروح في أحليله فلم يمكنه دواؤه وعرّفه اللّه القادر عجزه فقطع إحليله، وولاّه أمير المؤمنين الناصر قضاء شذونة.

.ابن أم البنين:

سمي بالأعرف، وكان من أهل مدينة قرطبة، وخدم أمير المؤمنين الناصر بصناعة الطب، وكان ينادمه وكانت معه فطنة في الطب، وله نوادر أنذر بها، وكان معجبًا بنفسه، وكان الناصر ربما استثقله لذلك وربما اضطر إليه لجودة فطنته.

.سعيد بن عبد ربه:

هو أبو عثمان سعيد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد ربه بن حبيب بن محمد بن سالم مولى الأمير هشام الرضي بن عبد الرحمن الداخل بالأندلس، وهو ابن أخي أبي عمرو وأحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر صاحب كتاب العقد، وكانت وفاة عمه هذا أحمد بن محمد بن عبد ربه في شهر جمادى الأولى من سنة ثمان وعشرين، ومولده في سنة ست وأربعين ومائتين لعشر خلون من شهر رمضان، وكان سعيد ابن عبد ربه طبيبًا فاضلًا وشاعرًا محسناً، وله في الطب رجز جليل محتو على جملة حسنة منه دل به على تمكنه من العلم وتحققه لمذاهب القدماء وكان له مع ذلك بصر بحركات الكواكب وطبائعها، ومهاب الرياح وتغير الأهوية، وكان مذهبه في مداواة الحميات أن يخلط بالمبردات شيئًا من وله في ذلك مذهب جميل ولم يخدم بالطب سلطاناً، وكان بصيرًا بتقدمة المعرفة، وتغيير الأهوية، ومهب الرياح، وحركة الكواكب، قال ابن جلجل حدثني عنه سليمان بن أيوب الفقيه قال، قال اعتللت بحمة فطاولتني وأشرفت منها، إذ مر بأبي وهو ناهض إلى صاحب المدينة أحمد بن عيسى، فقام إليه وقضى واجب حقه بالسلام عليه، وسأله عن علتي واستخبر أبي عما عولجت به، فسفه علاج من عالجني وبعث إلى أبي بثمان عشرة حبة من حبوب مدورة، وأمر أن أشرب منها كل يوم حبة فما استوعبتها حتى أقلعت الحمى وبرئت برأ تاماً، وعمي سعيد في آخر أيامه، ومن شعر سعيد بن عبد ربه أنه افتصد يومًا فبعث إلى عمه أحمد بن محمد بن عبد ربه الشاعر الأديب راغبًا إليه في أن يحضر عنده مؤانسًا له، فلم يجبه عمه إلى ذلك وأبطأ عنه فكتب إليه:
لما عدمت مؤانسًا وجليسًا ** نادمت بقراطًا وجالينوسا

وجعلت كتبهما شفاء تفردي ** وهما الشفاء لكل جرح يوسا

ووجدت علمها إذا حصلته ** يذكي ويحيى للجسوم نفوسا

فلما وصل الشعر إلى عمه جاوبه بأبيات منها:
ألفيت بقراطًا وجالينوسا ** لا يأكلان ويرزآن جليسا

فجعلتهم دون الأقارب جنة ** ورضيت منهم صاحبا وأنيسا

وأظن بخلك لا يرى لك تاركًا ** حتى تنادم بعدهم إبليسا

وقال سعيد بن عبد ربه أيضًا في آخر عمره، وكان جميل المذهب منقبضًا عن الملوك:
أمن بعد غوصي في علوم الحقائق ** وطول ابنساطي في مواهب خالقي

وفي حين إشرافي على ملكوته ** أرى طالبًا رزقًا إلى غير رازقي

وأيام عُمر المرء متعة ساعة ** تجيء حثيثًا مثل لمحة بارق

وقد أذنت نفسي بتقويض رحلها ** وأسرع في سوقي إلى الموت سائقي

وإني وإن أوغلت أو سرت هاربًا ** من الموت في الآفاق فالموت لاحقي

ولسعيد بن عبد ربه من الكتب كتاب الأقراباذين، تعاليق ومجربات في الطب، أرجوزة في الطب.

.عمر بن حفص بن برتق:

كان طبيبًا فاضلًا قارئًا للقرآن مطرب الصوت، وكان له رحلة إلى القيروان إلى أبي جعفر بن الجزار لزمه ستة أشهر لا غير، وهو أدخل إلى الأندلس كتاب زاد المسافر، ونبل بالأندلس وخدم بالطب الناصر، وكان نجم بن طرفة البيازرة قد استخلصه لنفسه وقام به وأغناه وشاركه في كل دنياه ولم يطل عمره.

.أصبغ بن يحيى:

كان متقدمًا في صناعة الطب، وخدم بها الناصر، وألف له حب الأنيسون، وكان شيخًا وسيمًا بهيًّا سريًّا معظمًا عند الرؤساء.

.محمد بن تمليح:

كان رجلًا ذا وقار وسكينة ومعرفة بالطب والنحو واللغة والرواية، وخدم الناصر بصناعة الطب، وكان المقيم برئاسته أحمد بن إلياس القائد، وولاه الناصر خطبة الردّ وقضاء شذونة، وله في الطب تأليف حسن الأشكال، وأدرك صدرًا من دولة الحكم المستنصر باللّه وكان حظيًّا عنده وخدمه بصناعة الطب، قال القاضي صاعد وولاه النظر في بنيان الزيادة من قبلي الجامع بقرطبة، فتولى ذلك وكملت تحت إشرافه وأمانته، ورأيت اسمه مكتوبًا بالذهب وقطع الفسيفساء على حائط المحراب بها، وإن ذلك البنيان كمل على يديه عن أمر الخليفة الحكم في سنة ثمان وخمسين وثلثمائة ولمحمد بن تمليح من الكتب كتاب في الطب.

.أبو الوليد بن الكتاني:

هو أبو الوليد محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، كان عالمًا بهيًّا سريًّا حلو اللسان محبوبًا من العامة والخاصة لسخائه بعلمه ومواساته بنفسه، ولم يكن يرغب في المال ولا جمعه، وكان لطيف المعاناة وخدم الناصر والمستنصر بصناعة الطب، ومات بعلة الاستسقاء.

.أبو عبد اللّه بن الكتاني:

هو أبو عبد اللّه محمد بن الحسين المعروف بابن الكتاني، كان أخذ الطب عن عمه محمد بن الحسين وطبقته وخدم به المنصور بن أبي عامر وابنه المظفر، ثم انتقل في صدر الفتنة إلى مدينة سرقسطة واستوطنها، وكان بصيرًا بالطب، متقدمًا فيه، ذا حظ من المنطق والنجوم، وكثير من علوم الفلسفة، قال القاضي صاعد أخبرني عنه الوزير أبو المطرف عبد الرحمن بن محمد بن عبد الكبير بن وافد اللخمي إنه كان دقيق الذهن، ذكي الخاطر، جيد الفهم، حسن التوحيد والتسبيح، وكان ذا ثروة وغنى واسع، وتوفي قريبًا من سنة عشرين وأربعمائة وهو قد قارب ثمانين سنة، قال وقرأت في بعض تآليفه أنه أخذ صناعة المنطق عن محمد بن عبدون الجبلي، وعمر بن يونس بن أحمد الحراني، وأحمد بن حفصون الفيلسوف، وأبي عبد اللّه محمد بن إبراهيم القاضي النحوي، وأبي عبد اللّه محمد بن مسعود البجائي، ومحمد بن ميمون المعروف بمركوس، وأبي القاسم فيد بن نجم، وسعيد بن فتحون السرقسطي المعروف بالحمار، وأبي الحرث الأسقف تلميذ ربيع بن زيد الأسقف الفيلسوف وأبي مرين البجائي، ومسلمة بن أحمد المرحيطي.

.أحمد بن حكيم بن حفصون:

كان طبيبًا عالمًا جيد القريحة، حسن الفطنة، دقيق النظر، بصيرًا بالمنطق، مشرفًا على كثير من علوم الفلسفة، وكان متصلًا بالحاجب جعفر الصقلبي ومستوليًا على خاصته، فأوصله بالحكم المستنصر باللّه وخدمه بالطب إلى أن توفي جعفر فأسقط حينئذ من ديوان الأطباء وبقي مخمولًا إلى أن توفي ومات بعلة الإسهال.

.أبو بكر أحمد بن جابر:

كان شيخًا فاضلًا في الطب، حليمًا عفيفًا وخدم المستنصر باللّه بالطب وأدرك صدرًا من دولة المؤيد وكان أولاد الناصر جميعهم يعتمدون على تعظيمه وتبجيله ومعرفة حقه، وكان وجيهًا عندهم مؤتمناً، وكذلك عند الرؤساء، وكان أديبًا فهماً، وكتب بخطه كتبًا كثيرة في الطب والمجامع والفلسفة، وعمر زمانًا طويلاً.